الجمعة، 28 يونيو 2013

الدولة و الثورة

لقد سمحت لنفسي أن أستعير إسم أحد كلاسيكيات الأدب الثوري للمناضل العظيم فلاديمير إلينش لينين كإسم لمقالاتي. إننا نعيش الآن في مصر على أعتاب لحظات تاريخية. ولا يمكن لأحد التكهن بما سيحدث إبتدائاً من يوم 30 يونيو. الحكومة متخبطة، الإقتصاد في أسوأ حالاته منذ أعوام، البطالة في تزايد و السلطة عاجزة، الكهرباء تنقطع بإستمرار، الماء ينقطع بإستمرار، تمثيل دولي غير مشرف لرئيس جاهل سياسياً، أسعار السلع في تضاعف مستمر، مستوى معيشة متدني، مناوشات مستمرة و إشتباكات عديدة بين أعضاء التنظيم السري الحاكم و المتظاهرين.


و مما يزيد الوضع سخونة، إنقلاب في دولة تركيا، و التي قتلها النظام نقاشاً في كيف إنها نموذج للدولة الإسلامية و كيف أنها نموذج لل"حكم الرشيد" و إنتفاضة أخرى في البرازيل و كلاهما إنتفاض ضد السياسات النيو ليبرالية التي ذهبت بالعالم إلى جحيم الرأسمالية و ألقت بالفقراء تحت أقدام المستثمرين و رجال المال و الأعمال.




تظاهرات البرازيل (يونيو 2013).

علينا أن نتوقف الآن أمام عدة مشاهد هي الفاصلة في تلك اللحظة الثورية العظيمة. أولاً إعلان وزارة الداخلية في مصر أن المتظاهرين السلميين في حمايتها و أن أي تعدي عليها من قبل أي تنظيم ستكون عواقبه وخيمة و كان ذلك على لسان وزيرها. و علينا أن نسأل أنفسنا الآن، لما تلك الخطوة الآن؟ هل أدركت وزارة الداخلية فجأة عهرها طوال عقود مضت ضد أبناء الشعب من المحتجين؟ أم أن الوزارة ضد أن يكون الكيان الإخواني حاكم؟ أم أن الوزارة رأت أن كفة النظام غير راجحة فقررت أن تستعطف الثوار لكي تتفادى شر إنتقامهم في المستقبل، و بعد إنتصارهم؟ لا أدري، رفيقي، فيم تفكر، و لكني رجح الخيار الأخير. فقد تعلمت وزارة الداخلية درساً قاسياً طوال عامين و نصف عام، أن إرادة الجماهير مستحيل إثناءها أو الإتيان عليها. لذا قررت أن تأخذ الجانب الأقوى هذه المرة. فلا مبدأ لديهم سوى الإنحناء للقوي. أياً كان إسمه.

عنف الداخلية ضد المتظاهرين –  كوبري قصر النيل، القاهرة (28 يناير 2011).

المشهد الثاني هو خطاب السيسي الذي قال فيه "كيف يعيش الضباط و الصف و هم يعلمون أن المصري يعيش في خطر؟ الموت علينا أهون." عندما سمعت تلك الجملة، حملت نفسي كل البذائات و الشتائم لما أسمعه. أعتمد السيسي على أن تكون الناس قد نسيت، أو تناست، أحداث ماسبيرو و مجلس الوزراء و الثامن من أبريل. أيام كان المتحدث نفسه عضواً في المجلس العسكري القائم بأعمال رئيس الجمهورية و ساهم في، أو لم يعترض على، إتخاذ القرارات التي كان مش شأنها قتل المئات من المصريين و إصاية الآلاف.


                                                                أحداث القصر العيني و مجلس الوزراء (ديسمبر 2011)

أما المشهد الثالث، هو، و كالعادة، إختفاء الوقود. ما أن تستشعر السلطة بإقتراب حركة إحتجاجية قوية إلا و تصبح صباحاً فلا تجد وقوداً في محطات الوقود. و م أن تهدأ تلك الحركة إلا و يعود الوقود كما كان بلا أي تفسيرات أو مبررات. فأنا، و بكل صدق، لا أصدق تبريرات السلطة الواهية أنه لا وجود للوقود في الأسواق المصرية لسبب بسيط وهو كيفية إدارة شركات البترول في مصر. صديقي، دعني أخبرك نبذة عنها. شركات الحفر المملوكة للدولة أمثال قارون و بدر الدين و غيرها يجب أن تدخل في شراكة مع شركة أجنبية كشركة أباتشي على سبيل المثال. ولا أعلم ماهية الوجوب تلك على الشركات المصرية أن تدخل في شراكات مع شركات أجنبية. و يكون أجر تلك الشركة الأجنبية هي على الأقل 50% من الإنتاج، بحسب العقد المبرم مع الجانب المصري المتمثل في الهيئة لعامة للبترول.
هل أحتاج أن أوضح أن أغلب تلك الشركات أمريكية و أوروبية؟

و إذا سألت أي من أعضاء أو مؤيدي أو "مبرراتية" الإخوان، ستجد الإجابة الكلاسيكية التي يجيبون بها على جميع المعارضين: "إنها تركة نظام فاسد عانينا منه 30 سنة!" صدق أو لا تصدق، أنا أتفق معهم في ذلك، فعلاً إن ما نعاني منه الآن هو تركة نظام إستبدادي عمره ستون و ليس ثلاثون، عاماً. إرتكب حماقات إقتصادية و سياسية عدة أدت لما نحن فيه من هبل إجتماعي و إقتصادي!


و لكن التدابير الوقائية و الإرتجاعية من تلك الأزمة ليست بصعوبة مادة الفيزياء في كلية الهندسة قسم القوى الكهربائية. فما الإعجاز أن تطرد الشركات المستحوذة على نصف إنتاجنا للبترول، مع العلم أنهم أخذوا حقهم تالت متلّت من البترول المصري. و نحقق بذلك ضعف إنتاج البترول. علماً بأن 90% من العاملين بالشركات الأجنبية تلك من المصريين و يديرونها بكفاءة و يحققون لها الأرباح.. إلخ؟ أضف إلى ذلك تصريح الوزارة بأن المشكلة أن 10 سيارات يملؤون التانك لآخره و مع ذلك يقفون في الطوابير لزيادة الأزمة. 10 سيارات تتسبب في كارثة تموينية في 27 محافظة! يا للخزي و يا للشؤم. و كانت مبرراتهم في ذلك، طبعاً، إفشال المشروع الإسلامي.


إن جمعت كل تلك المشاهد ستستشف كيف تتعامل الدولة مع الموجة الثورية الجديدة. من الواضح أن السلطة تكاد تموت خوفاً من الجماهير الغاضبة التي إستوعدت النظام بإنتهاء صلاحيته. فالشرطة التي إعتادت الجور على المواطنين تستعطف المتظاهرين. و الجيش الذي لم يكن في يوم يهتم غير بتأمين النظام و أصدقاءه من الأغنياء الآن يتغنى بالشيفونية و الوطنية.

و بالرغم من كل ذلك، علينا في تلك اللحظة أن نحدد إتجاهنا بشكل فوري، لما نريد الوصول إليه، لأنني أتوقع في يوم 30 يونيو هتاف البعض "الجيش و الشعب إيد واحدة" و رفع البعض الآخر صور مبارك و شفيق.  و بالتالي مصادمات مع الثوار تؤدي إلى إفساد اليوم و تعكير الصفو. يجب أن تكون مطالبنا واضحة في إنشاء حكومة إنتقالية فورية و قبل إنهزام الإخوان تعمل على تفعيل المحاكمات الثورية لأعضاء النظامين السابق و الحالي و إرجاع الأموال المنهوبة من النظام السابق و إحلال التمكين و الإخونة من النظام الحالي. و العمل على إجراء إنتخابات لتأسيسية الدستور مع الحرص على تفعيل مبدأ العزل السياسي لأعضاء النظامين الحالي و السابق وعلى أن تكون كل الفئات ممثلة إجباراً (عمال، طلاب، مهندسين، فلاحين، أطباء، ممرضين، معاقين ذهنياً و بدنياً، إعلاميين، محاسبين، إلخ). ثم إستفتاء الشعب على الدستور ثم إجراء إنتخابات برلمانية و تشكيل الحكومة من أغلبية البرلمان، مع الحفاظ على العزل السياسي، و إجراء إنتخابات رئاسية بعدها. و بذلك نكون حققنا ما نطمح له من ديمقراطية تسبق الإتجاه الإجتماعي للثورة.
إقترب الإنتصار يا رفاق! تشبثوا به.

لو عندك أي سؤال أو شتيمة اكاونت تويتر بتاعي: @alexanderawi

أو ابعتلي ايميل على: a_samakia@live.com

أو كلمني على فيسبوك بنفس الايميل.

الكلام ده بيعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا يعبر عن وجهة نظر أي كيان أنتمي له.

عادل سماقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق