الأربعاء، 27 فبراير 2013

لماذا يريد البعض عودة الحكم العسكري؟

بدايةً، عزيزي القارئ، دعنا نتفق أنه بالنسبة للمواطن العادي غير المطلع و غير المهتم بالشأن السياسي، فإن القوات المسلحة لم تضع الشعب في مواجهات مباشرة مع الجنود، مع تقديري التام لأحداث العباسية، أحداث مجلس الوزراء، ماسبيرو،اللائي أعتقلت فيهما، محمد محمود، و كلية الإعلام. و لكن هكذا، صديقي، يفكر سائق التاكسي، محصل تذاكر الأوتوبيس، عامل نظافة الكلية، إلخ.

رغم إني و إياك نتفق أن المجلس العسكري دفع بالبلد لأحضان الإخوان المسلمين، إرتكب ثلاث مجازر تشيب لهم ما تبقى من شعر الرأس، إنتقم من الثوار إنتقاماً يقشعر له الأبدان. إلا أن عموم الشعب لا يتفق معنا في ذاك. بل إن عموم الشعب يكفر بالثورة، و التي على حد وصف الكثيرون تسببت في قطع الأرزاق.


و إن أردنا أن نجيب على السؤال المطروح أعلاه علينا أن نحلل الدولة و مفهومها و نظامها.


فقد قال فردريك إنجلز في أشهر كتاباته "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ":



"الدولة ليست بحال قوة مفروضة على المجتمع من خارجه. والدولة ليست كذلك « واقع الفكرة الأخلاقية »، « صورة وواقع العقل » كما يدعي هيغل. الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره؛ الدولة هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله، عن واقع أن هذا المجتمع قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عن الخلاص منها، ولكيلا تقوم هذه المتضادات، هذه الطبقات ذات المصالح الطبقية المتنافرة، بالتهام بعضها بعضا والمجتمع في نضال عقيم، لهذا اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود « النظام ». إن هذه القوة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها، مع ذلك، فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر هي الدولة."

و كما يعرف أغلبنا، و مما لا شك فيه، أن تاريخ أي مجتمع ما هو إلا مجموعة من الصراعات الطبقية. فقد قال ماركس في أحد أهم كتاباته "البيان الشيوعي":



"حر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع، وبكلمة ظالمون ومظلومون، في تعارض دائم، خاضوا حربا متواصلة، تارة معلنة وطورا مستترة، حربا كانت تنتهي في كل مرة إما بتحول ثوري للمجتمع كله، إما بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين."

فالدولة، صديقي، هي هيئة للتفرقة الطبقية، هيئة لظلم فئة على حساب أخرى. هكذا صديقي حال كل الدول التي قامت على أسس البرجوازية. 


نطرح سؤالاً هنا، كيف نشأت الدولة؟


عندما تطور بنو البشر البدائيون، و صار بينهم القوي و الضعيف، و مما هو معروف أن بنو البشر يعيشون في جماعات منذ أن ظهر جنسهم على الأرض تكونت مجتمعات صغيرة. بتغير الظروف و ظهور فكرة الإمتلاك و فكرة العمل و مبدأ السيادة ، والهيمنة و بالتالي، طبعاً، التقسيمات الطبقية و الصراعات الطبقية المترتبة عليها. كان من الضروري أن ينشئ بنو البشر هيئات تنظم العلاقة بين أرباب العمل و أصحاب الأملاك من ناحية و العمال و التابعين من ناحية أخرى. و كانت تلك الهيئات هي تجمعات لمجتمعات صغيرة عدة، متشابهة في العادات و التقاليد و الصفات الجينية و الوراثية، تنصهر لتكوّن معاً مجتمعاً كبيراً واحدة تنظمه هيئة تدعى "الدولة".


و عندما نمى و تنامى ذلك المجتمع، و زادت فيه حدة الصراع الطبقي، كان لابد للدولة التي أسسها المهيمنين الأغنياء أن يؤسسوا جهازاً يحميهم من إنتفاضات الفقراء. على أن يكون ذلك الجهاز مستتراً بتحقيق العدالة، عن طريق قوانين يضعها من تنصبهم الدولة لكتابة و صياغة قوانين تحمي أملاك الأغنياء من الفقراء و تحرص عليها من غضب الفقراء و العمال. و كان هذا الجهاز هو الشرطة و الجيش و القوات النظامية التابعة للدولة.


لذا، نستشف عدد من الملحوظات، غير مقبول إغفالها:


1. أن مبدئ الدولة  قام على الطبقية منذ نشأته.

2. تكوين القوات النظامية جاء أصلاً لمواجهة و قمع الحراك الشعبي الناتج عن الصراع الطبقي المستفحل.
3. المجتمع البرجوازي لا يحدث تغييراً راديكالياً في الدولة، ولا يقضي على التناحر الإجتماعي، بل يخلق كل فترة قواعد جديدة للعبة مستبدلاً القواعد القديمة، مدعياً بذلك المرونة و تقبل فكرة التغيير.

و عودةً إلى الحالة المصرية، في 2011، عندما قامت الموجة الأولى من الثورة، ما أسقط مبارك، من وجهة نظري، هو أنه إستعد لحراك شعبي من الفقراء و ليس من الطبقة البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة. و هذا ليس تقليلاً من الفقراء بل هو مجرد توضيح لأخطاء مبارك.


فقد إستعد للحراك بالإعتقال العشوائي و لغاز المسيل للدموع و إطلاق النار.. إلخ، و إن كان هذا قد يرهب تحرك للفقراء غير المنظم، فهو لن يرهب شباب إنتفض للكرامة و العدالة. و لن يرهب الفقراء و العمال إن تحركوا بشكل منظم للإنقضاض على السلطة.


و هذا يثبت وجهة النظر المعروضة سلفاً، أن القوات النظامية تهدف لحماية مصالح الطبقة الحاكمة من بطش غضب الفقراء.


إسترسالاً، فإنه عندما نزل الجيش إلى شوارع مدن و قرى مصر، فإنه كان واضحاً جداً أنه نزل ليحمي مصالح النظام البرجوازي، و قد قام بذلك بحنكة شديدة و مهارة عظيمة. إستغل العسكريون العاطفة الشعبية للقوات المسلحة و قاموا ب"إحتضان"، حرفياً، المتظاهرين الذين كانوا يرتعدون خوفا من تكرار سيناريو 77 و 81 عندما أباد الجيش المصري المتظاهرين بالمدافع الثقيلة. و راحوا يرددون الهتاف اللعين الذي إضطررت لترديده "الجيش و الشعب إيد واحدة".


و بعد ذلك أصدروا بيانات كثيرة، مستعطفين فيها الشعب بجملة "رصيدنا لديكم يسمح" بأنهم يساندون الشعب و يقفون إلى جواره، في طريقة إستقطاب "ماسخة" لعدم الإنحياز ضد الجيش و في محاولة واضحة لتضليل الناس عن تاريخهم الأسود الملئ بالكذب و العُهر و النهب.


نسي الناس، أو تناسوا، أن الجيش قال إبان نكسة الخامس من يونيو عام 1965 إنه أسقط 60 طائرة و أنه وصل إلى مشارف تل أبيب، بينما كان لحم الجنود الفقراء مبعثر في رمال سيناء. و نسوا، أو تناسوا، الهزيمة السياسية النكراء التي فرضت علينا معاهدة كامب دايفيد، و التي بموجبها لا نستطيع، إلى الآن، تأمين أراضينا السيناوية. و نسوا أو تناسوا أن الجيش أطلق النار على متظاهروا التحرير عام 77. و نسوا، أو تناسوا، أن الجيش أطلق النار على متمردوا 81.


فالجيش، أيها السادة المحترمون، ليس جيشاً وطنياً، و لا يختص، أو بالأحرى لا يهتم، بتأمين الوطن، بل يهتم بتأمين مصالح رؤوس الأموال. و الدليل على ذلك، من سمع منكم بقضية جزيرة القرصاية من أهل الجزيرة تلك، سيعرف أن الحادثة التي وقعت منذ بضعة شهور قليلة ما هي إلا تكرار لحادثة، أو عملية كما يحلوا لي أن أصفها، حدثت منذ سنوات عديدة للإستيلاء على الجزيرة لإقامة عليها مشاريع سياحية إستثمارية.


و لكن بسبب نسيان أو تناسي الناس لتلك الأحداث المهمة، و لإغفالهم مراحل تطور الدولة على مر التاريخ، خرجت مظاهرات مرددة ذلك الهتاف القميئ الكاذب "الجيش و الشعب إيد واحدة". و يُصدر من يُدعون ب"النخبة" بيانات قائلين فيها أن أفراد الجيش يختلفون في وطنيتهم عن القيادات، مداعبين بذلك الضباط بإضفاء شرعية لإنقلاب عسكري!


و لكن العسكريين غير مختصين بالإدارة السياسية و الإقتصادية، ببساطة، لا يملكون تلك المهارة.


و إن كنا قد ذكرنا أعلاه أن الأغنياء و المهيمنين أحتاجوا إلى إنشاء قوات نظامية تحمي أملاكهم و أرواحهم من بطش الفقراء، تتبع القوة المنظمة تلك الطبقة الغنية، فإن في الحالة المصرية كانت تلك الطبقة الغنية هي نفسها القوة النظامية. فرجال الأعمال تربطهم صلات نسب و قرابة بينهم و بين كبار رجال الجيش. و تكونت صلات النسب تلك لتسهل و تيسر حماية القوات النظامية لأملاك و أشخاص الأغنياء. ألم يقل ماركس أن الزواج البرجوازي هو غطاء للبغاء؟ في حالتنا، هو البغاء نفسه، غير مستتراً!


و أتّبع رجال النظام في الحالة المصرية نظرية هتلر التي عرضها قائلاً: 



 إذا أردت السيطرة علي الناس فأخبرهم أنهم معرضون للخطر وحذرهم من أن أمنهم تحت التهديد، ثم شكك في وطنية معارضيك.

و هذا بالضبط، عزيزي، ما فعله النظام. فقد فتح أبواب السجون، و أطلق بلطجيته، سحب أفراد الشرطة، لسبب نجهله، جميعاً؛ فلم يتبقى فرد مرور حتى. و لم؟ كي يشعر الناس بالخطر و يقلل الحشد على ميدان لتحرير. و عمل التلفزيون جاهداً على تشويه صورة المعارضين و إبرازهم على أنهم ممولين، أيدي خفية، طرف ثالث، لهو خفي، أجندات خارجية، مخططات صهيوأمريكية، علاقات جنسية كاملة، مخدرين، إلخ.

و لهذا السبب تحديداً و بسبب إعتقاد الناس أن البديل غير موجود، غافلين أنهم هم البديل، و بسبب أن أمنهم الشخصي معرض للخطر، و بسبب أنهم إستجابوا لتشكيك السلطة في المعارضة، و أيضاً حالة النخبوية التي أصابت المعارضة، فإن الناس يرغبون بعودة العسكر للحكم.

لو عندك أي سؤال أو شتيمة اكاونت تويتر بتاعي: @alexanderawi
أو ابعتلي ايميل على: a_samakia@live.com
أو كلمني على فيسبوك بنفس الايميل.


الكلام ده بيعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا يعبر عن وجهة نظر أي كيان أنتمي له.

عادل سماقية.