الخميس، 27 فبراير 2014

ما سأحكيه لأولادي عن الثورة المصرية - الجزء الأول


إن تزوجت و رزقت بطفل أو أكثر سأحكي لهم شهادتي عن ثورة 25 يناير هذا بالضبط ما سأرويه.

ولدت و وعيت على شخص واحد في الدولة. يدعى محمد حسني السيد إبراهيم مبارك، وكان بمثابة  الإله لدى الدولة و أغلب الإعلام. رجل الحرب و السلم، و كان يمثل للناس كل معاني الإستقرار و الرخاء. ونتيجة للنفخ المستمر في صورة حسني مبارك، التي كانت تطاردك في كل مكان، في الشارع، في قسم الشرطة، في المصالح الحكومية، في الجرائد، في التلفيزيون  فيبدأ عقلك أن يتعامل معه على إنه واقع ثابت غير متغير. و في الحقيقة دافعت عنه أثناء صغري حين أنتقده أحد المدرسين في المدرسة.

كنت أشاهد أثناء ذهابي و إيابي إلى المدرسة في الإسكندرية طلاب كلية الهندسة يقومون بتظاهرات شرسة جداً، عالية أصواتها. يشارك فيها العشرات بمنتهى الحماس، ضد مبارك طارة، و دعماً للقضية الفلسطينية طوراً أتذكر جيداً كيف كانت الشرطة تغلق الكلية و تحم حصارها حال إندلاع المظاهرات. و عندئذ، كانت بداية معرفتي بجماعة الإخوان المسلمين. فسألت أبي عنها، قال لي إنها جماعة متشددة، ترغب في الحكم. و تقوم بالمظاهرات أملاً في السيطرة على الحكم ذات يوم. و نظراً لتمردي على مبدأ الدين في الصغر، حيث إنني كنت أراه مقيداً لحرية الناس. فلم أهتم بالجماعة مطلقاً. و لكنني سعيت لتجميع المعلومات عن تلك التظاهرات. فعرفت أن طلاب اليسار و الطلاب الليبراليون كانوا يحتجون أحياناً على مبارك، و يشاركهم بعض من أفراد الجماعة على إستحياء. و لكن حينما كان يتعرض الأمر للقضية الفلسطينية كان الإخوان يحشدون لتلك التظاهرات بكل قوتهم الطلابية. 

و من ثم سألت، لم تتظاهرون ضد مبارك من الأصل، فقالوا إنهم سئموا التضييق على حرية التعبير، و سألوني إن كنت قد زرت المناطق الفقيرة، فأجبت نفياً، فقالوا إن الفقر "وصل للركب" و أن الناس "مش لاقيين ياكلوا" و "بياكلوا من الزبالة" فتعجبت كثيراً، كيف يمكن لأحد أن يأكل  من القمامة؟ فأجابوني أن من لا يجد ما يأكله سيأكل أي شيئ ليسد رمق جوعه. و كانت أكثر معرفتي بالجوع وقتها هو جوع ما بعد التمرين. فأذهب بعدها و أطلب البيتزا أو الساندوتشات من أحد كافتريات نادي سبورتنج. لم أكن قد تعرضت للمعنى الحقيقي للفقر و الجوع.

و في ظل قرآتي المحدودة لبعض المقالات النادرة للكتاب الصحفيين المعارضين، و من خلال تعاملاتي مع بعض العسكريين الذين أشرفوا و أداروا مكان عمل والدي، أدركت، تدريجياً، مدى سيطرة العسكريين على كل شيئ في الدولة. و بعد العديد من السنوات، أراد والدي أن ألتحق بالقوات البحرية، و أدرس في الكلية البحرية العسكرية، رفضت ذلك أشد الرفض، و كان سببي إنني لا أريد أختلط باللصوص. فشرح أبي أن اللصوص و عديمي الأخلاق هم ضباط الشرطة.

نشبت مع أبي خلافات عديدة لهذا السبب،  و أقسم إنه لن يدخلني أي كلية إذا رفضت دخول الكلية البحرية العسكرية. و كنت متشبثاً برأيي جداً، و لكنني في النهاية إضطررت للرضوخ لإرادته. و لكن من يعرفني منكم سيدرك أن لي رأس كالحجر، لا أفعل شيئ رغم عني، فرسبت، عمداً، في إمتحان المعلومات العامة و خرجت من الكلية.

المهم كسفت أبويا و دخلت كلية الهندسة بجامعة القاهرة، و هناك، تعرفت على العديد من الطلاب الناشطين. العديد من الإسلاميين و مطلقي اللحى، و الكثير من الطلاب الليبراليين، و القليل من الطلاب الإشتراكيين و الشيوعيين. فقدر لي أن يكون أصدقائي في ذلك الوقت العديد من الموسيقيين و قليل من اليساريين. و أثناء نقاش بعض الأصدقاء اليساريين عن حال الفقراء و العمال في مصر، و حتمية الثورة، أشتبكت
معهم في هذا النقاش و أعارني أحدهم بعض الكتب لأقرأها.

في عامي الأول في الجامعة، كان إضراب يوم السادس من أبريل عام 2008، كان مجموعة من الشباب دعوا إلى إضراب عام في ذلك اليوم تمرداً على حكم حسني مبارك. صادف وقتها أنني كنت في وسط إمتحانات الميدتيرم بكلية الهندسة، فقلت لنفسي سأذهب إلى الكلية و إن وجدت عدد قوي من الطلاب مضرب فلن أحضر 

الإمتحان. و لكن للأسف حضر كل الطلاب. وتم الإمتحان في موعده، و كان هناك عدد من الزملاء الذين شاركوني نفس الخاطرة بدون أن نعرضها على بعضنا البعض

سمعت بعد ذلك، عن مدى عظمة اليوم في مدينة المحلة و عن مدى نجاح التجربة الثورية بتلك المدينة التي أعتبرها عاصمة ثورات الشرق الأوسط. و مرت التجربة  و نسيت. أو بمعنى أصح، حفظت في أرشيف الذكريات إلى أن يتم إستدعاءها في مستقبل قريب جداً 

.ترقبوا الجزأ الثاني قريبا

  @alexanderawi:لو عندك أي سؤال أو شتيمة أكاونت تويتر الخاص بي
 https://www.facebook.com/adel.samakia:أو ممكن تكلمني على فيس بوك

الكلام ده بيعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا يعبر عن وجهة نظر أي كيان أنتمي له


.عادل سماقية