الأحد، 25 يناير 2015

القضية الفلسطينية و الإستعمار و الإمبريالية



حين نتحدث عن القضية الفلسطينية لا يسعنا أن نغفل الحديث عن و تفنيد و شرح الإمبريالية  ولا يجوز أن نغفل آليات الإمبريالية و كيف تعمل. مصالحها و مضادتها، نتائجها و أسبابها.

الإمبريالية بشكل موجز و بسيط هي إستخدام القوة لتفرض دولة قوية سيطرتها على دولة، أو دول، أفقر، أضعف، أو كلاهما  معاً. و عبر التاريخ الطويل للممارسات الإمبريالية، كانت تتم تلك السيطرة عن طريق القوة العسكرية المباشرة. أو بلغة أبسط، عن طريق الإستعمار. فقد رأينا مئات النماذج في التاريخ تستخدم الإمبريالية الكلاسيكية العسكرية للسيطرة على الدول و المجتمعات. مثل المصريين القدماء، و الحضارات الفارسية، و الإمبراطورية الإنجليزية التي لم تغب عنها الشمس و المملكة الفرنسية و الهولندية و غيرهم.

و إستمرت الممارسة الإمبريالية التقليدية من الدول الغنية المسيطرة عسكرياً إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية التي إنتهت في عام 1945. إلي أن لاحظوا أن كلفة الممارسة الإمبريالية الكلاسيكية جداً مرتفعة. حيث تُزهق العديد من الأرواح و تُكلف المليارات. فلجأت الدول الإمبريالية لتطوير آلية جديدة للإمبريالية تعتمد بالأساس على السيطرة الفكرية و الإقتصادية على الدول الفقيرة. و هو ما يضمن إحتياج الدول الفقيرة للغنية بإستمرار و ضمان السيطرة السياسية و الإقتصادية في المنطقة أو الدولة المراد السيطرة عليها.

و لذا، فلا عجب أن تظهر في الستين عاماً المنقضية -ما بعد الحرب العالمية الثانية- نظريات مثل الماك وورلد إيفيكت أو الكوك وورلد و التي تقترح -و هو مائة بالمائة صحيح من وجهة نظري- أن شباب العالم اليوم يبدون و يتصرفون و يتحدثون كما الشباب الأمريكي، يلبسون الجينز كما الشباب الأمريكي، يتحدثون الإنجليزية بلهجتها الأمريكية.. إلخ. و من السذاجة أن نفترض أن تلك النظرية و تطبيقها العملي هي محض الصدفة، بل هي أحد تطبيقات الإمبريالية الحديثة مستوفية كل شروطها؛ فالعالم يحتاج إلى المنتجات الأمريكية طوال الوقت (الأيفون، الماكينتوش، أجهزة مايكروسوفت، أجهزة جوجل (آندرويد)، رقائق البطاطس المقلية، إلخ..)، و أصبح التعليم المتحضر المحترم في كل أنحاء العالم في مدارس و جامعات أمريكية، و أفضل أفلام العالم هي من إنتاجات هوليوود الأمريكية. فأمريكا الآن تسيطر على العالم ثقافياً و إقتصادياً.

وصف ماركس الإمبريالية أنها أعلى مراحل تطور و نمو الرأسمالية، لهذا التطور طابعين أساسيين:
1.       مركزة رأس المال في شركات ضخمة إحتكارية قليلة
2.       عولمة و تدويل رأس المال من خلال التسويق الدولي (ففي مصر مثلاً أنت قادر على شراء منتجات لشركة البفارية لتصنيع السيارات BMW)


و ينتج عن هذا النمو نوعين من النزاع. أولهما هو نزاع بين الدول الإمبريالية على مناطق النفوذ و الإستثمار و ثانيهما حروب بين المقاومة و لإمبريالية في المناطق المُسيطر عليها.

 و إذا ربطنا النظرية المعروضة سلفاً بالواقع في الشرق الأوسط، نجد أن دولة إسرائيل الصهيونية هي الراعي الرسمي للإمبريالية في المنطقة فإذا بحثنا في التالريخ، نجد أن قيام دولة إسرائيل أصلاً جاء خلال إحتلال المملكة البريطانية للأراضي الفلسطينية. و بما أن الملك "يملك" الأرض التي يحكمها، فقد قرر أن يمنح تلك الأرض للحركة الصهيونية؛ و المراد قوله هنا أن دولة إسرائيل ولدت أصلاً بشكل إمبريالي.

و إن كنا قد ذكرنا سلفاً أن الدول الإمبريالية الإستعمارية قد غيرت تكتيكاتها و أساليبها و إتجهت إلى السيطرة الإقتصادية و السياسية عن طريق التسويق و تنصيب حكومات و أنظمة عميلة، فإن الإمبريالية تحتاج في بعض الأحيان إلى إستخدام قوتها الكلاسيكية العسكرية، بالذات في المناطق غير المستقرة. و الدليل على ذلك هو أن دولة إسرائيلترعى مصالح الإستثمار و الرأسمالية في المنطقة. و ليس ذلك فحسب، بل أن جريدة هآرتس الصهيونية كانت قد ذكرت  في إحدى مقالاتها أنه ليس هناك مشكلة أن تتولى إسرائيل القوية -على حد تعبيرها- تأديب الدول العربية و حركاتها القومية كل حين و آخر حين تظهر إعتراضاً على قرارات و رغبات الغرب. و في المقابل، على الغرب أن يتغاضى غن مطامع و مطامح إسرائيل و عدوانها على جيرانها لمختلف الأسباب.

و هنا يجب أن نسأل أنفسنا: "ما هي مطامع إسرائيل؟"
للإجابة على هذا السؤال علينا، أولاً، أن نجيب على سؤال أهم، "ما هي الصهيونية؟ و ما إرتباطها باليهودية؟" .
الفكر الصهيوني و مبدعوه و على رأسهم ثيودور هرتزل كانوا في الأصل لم يكونوا رجال دين إطلاقاً. بل كان أغلبهم علمانيين و عمل أكثرهم بالسياسة. و قد نشأت الفكرة في أوساط البرجوزيات الصغيرة التي كانت تخشى من الثورة و تخشى فقدان مكانتها الإجتماعية و الطبقية بسببها.
ثانياً، أن نبحث عن قيام دولة إسرائيل، قيمها، و أهدافها و إرتباطها باليهودية و اليهود. فقط أنصار الصهيونية قبل عام 1948 كانوا يظنون أن بإمكانهم و من حقهم إنشاء دولة في الشام و كانوا يهاجرون إليه و يسكنون فيه، و هم نسبة قليلة و ضئيلة من أعداد اليهود في أوروبا بالخصوص و العالم عموماً. أما الغالبية العظمى من اليهود، و الذين كانوا ينتمون مجتمعياً إلى الطبقة العاملة، ظنوا أن خلاصهم من الإضطهاد الواقع عليهم هو بإنتصار الثورة الإشتراكية العالمية. و لكن بسبب صعود الفاشية النازية للحكم، و حرق اليهود في أوروبا في ثلاثينات القرن العشرين أُطلقت الرجعية في أوساط اليهود و إعتبروا أن دولة إسرائيل هي طوق النجاة لهم و لعوائلهم.
في مايو عام 1948، حينما كان أغلب الشرق الأوسط مستعمراً من قبل المملكة البريطانية – التي نعتت بأنها المملكة التي لا تغيب عنها الشمس–  و بعد نصف قرن من المناورات و المؤتمرات التي قامت بها الحركة الصهيونية في أوروبا
نتاج التراكمات التاريخية تلك، أدى إلى نشأة دولة إسرائيل بشكلها الحالي. و هنا نسأل أنفسنا سؤالاً آخر. هل دولة إسرائيل هي واحة للديمقراطية، كما يصور لها، و هل فعلاً الأرض الفلسطينية هي "الأرض الموعودة" التي ذكرت في التوراة؟
مما هو ثابت في معتقدات اليهود، أن موسى، عليه السلام، قد وقف بعد هروبه من مصر فوق جبل نبو الذي يقع خارج مدينة مأدبا في دولة الأردن، و أشار إلى الأراض التي تعرف الآن بفلسطين و قال أن هذه هي أرض اليهود الموعودة و مات فوق ذات الجبل. و أقامت دولة الأردن مقاماً هناك و أسمته مقام سيدنا موسى. و لكن، جرى العديد من الإستكشافات لم تثبت أي منها وجود جثة موسى بذلك الجبل.
ثانياً، دولة إسرائيل هي نتاج مباشر و تجسيد قبيح للصهيونية، فهي قامت على مذابح نفذتها عصابات مسلحة و ممارسة ممنهجة للتطهير العرقي بحق الفلسطينيين مثل مذبحة دير ياسين. كما أن وجود دولة إسرائيل و نشأتها كما هو مذكور سابقاً هو تجسيد لتحالف صريح بين الإمبريالية و قواها، و هو أيضاً حتمي لكي تحرس إسرائيل مصالح الإمبريالية في المنطقة. (مذبحة دير ياسين:

فكيف لنا أن نعتبر أن دولة قامت على مذابح نفذتها عصابات في التاريخ الحديث (أقل من 70 عام) واحة للديمقراطية و الحرية؟ الإجابة المنطقية هي أن ما يقال بخصوص "ديمقراطية" إسرائيل هو محض الهراء. كما أنه في يوليو 2011، عام الربيع العربي، قامت مظاهرات في إسرائيل و تم قمعها أشد قمع من قبل شرطة الإحتلال بالغز المسيل للدموع و الرصاص المطاطي. فأي ديمقراطية تلك التي يتحدثون عنها؟!

و هنا يجب أن نربط ربطاً مباشراً بين إسرائيل كدولة في الشرق الأوسط و بين مصالح الدولة الإمبريالية في العالم. جاء إعلان إنشاء دولة إسرائيل في مايو 1948 نتاجاً لمجهودات بذلها أنصار الصهيونية في العالم منذ بدايات القرن العشرين، و لم يكن أنصار الحركة الصهيونية هم فقط أعضاء الحركة الصهيونية، بل كانت تدعم تلك الحركة دول إستعمارية كبرى مثل المملكة البريطانية و الولايات المتحدة الأمريكية. و حين  نسأل عن السبب فالإجابة واضحة؛ بعد إكتشاف النفط في الشرق الأوسط إحتاجت الدول الإمبريالية لكلب حراسة في المنطقة يسهر على حماية مصالحها و إهتمامتها في المنطقة. و لمَ؟ حين ننظر إلى معدلات تدفق البترول منذ مقولة ريجان في السبعينات (رئيس الولايات المتحدة السابق) بعد وقف تصدير البترول خلال حرب 1973  (حيث قال "إن تدفق البترول من الشرق الأوسط لأمريكا هي مسألة أمن قومي".) إلى الآن يجد أنها في إرتفاع مستمر و ذلك لإن أغلب الطاقة الكهربائية في أمريكا تعتمد على البترول بالإضافة إلى التجارة التي تعتمد على البترول إعتماداً أساسياً و حتمياً. و لكل هذه الأسباب بالإضافة إلى أن إسرائيل طالما كانت تمثل كل الرجعيات الدينية و السياسية؛ دولة إسرائيل لا تزال دولة ثيوقراطية إلى الآن و قد دعمت كل الأنظمة خلال الثورات العربية فقد دعمت بن علي قبل و بعد خلعه من خلال رفاقنا الثوريين و وصفت خلع مبارك بأنها قد خسرت حليفاً مهماً كما دعمت عبد الفتاح السيسي قبل و حال وصوله للسلطة، و لكل تلك الأسباب، تحصل إسرائيل على دعم من أمريكا مادي و عيني و عسكري و تكنولوجي لا تحصل عليه أي دولة أخرى في تجسيد صريح من أمريكا لدعم الإمبريالية.

أما عن نظرية كلب الحراسة التي ذكرت أعلاه، فإسرائيل لا تخجل من هذا الوصف مطلقاً؛ فقد كتبت جريدة هآارتس الإسرائلية مقالاً قالت فيه أن إسرائيل مستعدة تماماً لتوجيه "ضربات تأديبية" للعرب حال تمردهم على الدول الكبرى و هي مستعدة تماماً لتأدية دور كلب الحراسة لتلك الدول على أن تحصل إسرائيل على أكبر دعم ممكن من الولايات المتحدة. و قد كان لهم ما أرادوا.
لم تكن الولايات لمتحدة هي الداعم الأكبر لإسرائيل، بل تناوبت القوى الإمبريالية على تقديم الدعم لإسرائيل و كان لكل داعم مكافأة من نوعٍ ما. فبين عامي 1948 و 1960 كانت فرنسا هي الممول الرئيسي و الحليف الأول لإسرائيل من خلال تقديمها للمساعدات المالية و الأسلحة و كان رد الجميل من جانب إسرائيل سخياً، حيث ساعدت إسرائيل فرنسا عسكرياً في مستعمراتها بالجزائر و فيتنام. و في الخمسينات، لم تكن أمريكا مقتنعةً إقتناعاً  كاملاً بقوة إسرائيل حيث لم تستطع الأخيرة وقف المد القومي الذي أسقط العديد من الأنظمة الإقطاعية بالشرق الأوسط. و لكن مع إشتداد شوكة القوميين في المنطقة العربية، نظرت أمريكا للدولة الصهيونية نظرةً مختلفة و قررت دعم إسرائيل في مواجهة القومية العربية حيث أنها القوة الوحيدة الداعمة للعرب في الشرق الأوسط.
إننا، كماركسيين ثوريين، لا نناضل فقط من أجل قيام دولة فلسطينية. بل إننا نناضل من أجل تحطيم و كسر الدولة الصهيونية بشكل شامل و نهائي، و من ثم إقامة مجتمع متساويّ عناصره الكادحة المسلم و المسيحي و اليهودي و تحررهم من كافة أشكال القهر و الإستغلال و العنصرية في مواجهة الإمبريالية و الصهيونية. و لكن، ذلك لا يحدث بسهولة؛ حيث أن الأنظمة العميلة لإسرائيل في المنطقة لعربية تسهر على حمايتها، و الطبقات الغنية في الأقطار العربية تتاجر جهاراً نهاراً مع الكيان الصهيوني. لذا كما نقول نحن، الإشتراكيون الثوريون، تحرير القدس يبدأ بتحرير القاهرة. ولهذا، يقف الإشتراكيون الثوريون في وجه كل المحاولات التي تريد تحويل الصراع مع الصهيونية إلى صراع عنصري ضد الديانة اليهودية. و بنظرة نجد أن من يريدون تقويد الصراع إلى هذا الإتجاه هم دعاة الرجعية في المنطقة و أنصارهم. و مما ذكر، نستشف أن العدو الحقيقي للشعب الفلسطيني هما الدولة الصهيونية و الإمبريالية العالمية بسبب مصالحهم المشتركة في المنطقة بالإضافة لطبقات حاكمة تهدف إلى تشتيت الجهود إلى قضايا فرعية عنصرية تافهة.

الخميس، 27 فبراير 2014

ما سأحكيه لأولادي عن الثورة المصرية - الجزء الأول


إن تزوجت و رزقت بطفل أو أكثر سأحكي لهم شهادتي عن ثورة 25 يناير هذا بالضبط ما سأرويه.

ولدت و وعيت على شخص واحد في الدولة. يدعى محمد حسني السيد إبراهيم مبارك، وكان بمثابة  الإله لدى الدولة و أغلب الإعلام. رجل الحرب و السلم، و كان يمثل للناس كل معاني الإستقرار و الرخاء. ونتيجة للنفخ المستمر في صورة حسني مبارك، التي كانت تطاردك في كل مكان، في الشارع، في قسم الشرطة، في المصالح الحكومية، في الجرائد، في التلفيزيون  فيبدأ عقلك أن يتعامل معه على إنه واقع ثابت غير متغير. و في الحقيقة دافعت عنه أثناء صغري حين أنتقده أحد المدرسين في المدرسة.

كنت أشاهد أثناء ذهابي و إيابي إلى المدرسة في الإسكندرية طلاب كلية الهندسة يقومون بتظاهرات شرسة جداً، عالية أصواتها. يشارك فيها العشرات بمنتهى الحماس، ضد مبارك طارة، و دعماً للقضية الفلسطينية طوراً أتذكر جيداً كيف كانت الشرطة تغلق الكلية و تحم حصارها حال إندلاع المظاهرات. و عندئذ، كانت بداية معرفتي بجماعة الإخوان المسلمين. فسألت أبي عنها، قال لي إنها جماعة متشددة، ترغب في الحكم. و تقوم بالمظاهرات أملاً في السيطرة على الحكم ذات يوم. و نظراً لتمردي على مبدأ الدين في الصغر، حيث إنني كنت أراه مقيداً لحرية الناس. فلم أهتم بالجماعة مطلقاً. و لكنني سعيت لتجميع المعلومات عن تلك التظاهرات. فعرفت أن طلاب اليسار و الطلاب الليبراليون كانوا يحتجون أحياناً على مبارك، و يشاركهم بعض من أفراد الجماعة على إستحياء. و لكن حينما كان يتعرض الأمر للقضية الفلسطينية كان الإخوان يحشدون لتلك التظاهرات بكل قوتهم الطلابية. 

و من ثم سألت، لم تتظاهرون ضد مبارك من الأصل، فقالوا إنهم سئموا التضييق على حرية التعبير، و سألوني إن كنت قد زرت المناطق الفقيرة، فأجبت نفياً، فقالوا إن الفقر "وصل للركب" و أن الناس "مش لاقيين ياكلوا" و "بياكلوا من الزبالة" فتعجبت كثيراً، كيف يمكن لأحد أن يأكل  من القمامة؟ فأجابوني أن من لا يجد ما يأكله سيأكل أي شيئ ليسد رمق جوعه. و كانت أكثر معرفتي بالجوع وقتها هو جوع ما بعد التمرين. فأذهب بعدها و أطلب البيتزا أو الساندوتشات من أحد كافتريات نادي سبورتنج. لم أكن قد تعرضت للمعنى الحقيقي للفقر و الجوع.

و في ظل قرآتي المحدودة لبعض المقالات النادرة للكتاب الصحفيين المعارضين، و من خلال تعاملاتي مع بعض العسكريين الذين أشرفوا و أداروا مكان عمل والدي، أدركت، تدريجياً، مدى سيطرة العسكريين على كل شيئ في الدولة. و بعد العديد من السنوات، أراد والدي أن ألتحق بالقوات البحرية، و أدرس في الكلية البحرية العسكرية، رفضت ذلك أشد الرفض، و كان سببي إنني لا أريد أختلط باللصوص. فشرح أبي أن اللصوص و عديمي الأخلاق هم ضباط الشرطة.

نشبت مع أبي خلافات عديدة لهذا السبب،  و أقسم إنه لن يدخلني أي كلية إذا رفضت دخول الكلية البحرية العسكرية. و كنت متشبثاً برأيي جداً، و لكنني في النهاية إضطررت للرضوخ لإرادته. و لكن من يعرفني منكم سيدرك أن لي رأس كالحجر، لا أفعل شيئ رغم عني، فرسبت، عمداً، في إمتحان المعلومات العامة و خرجت من الكلية.

المهم كسفت أبويا و دخلت كلية الهندسة بجامعة القاهرة، و هناك، تعرفت على العديد من الطلاب الناشطين. العديد من الإسلاميين و مطلقي اللحى، و الكثير من الطلاب الليبراليين، و القليل من الطلاب الإشتراكيين و الشيوعيين. فقدر لي أن يكون أصدقائي في ذلك الوقت العديد من الموسيقيين و قليل من اليساريين. و أثناء نقاش بعض الأصدقاء اليساريين عن حال الفقراء و العمال في مصر، و حتمية الثورة، أشتبكت
معهم في هذا النقاش و أعارني أحدهم بعض الكتب لأقرأها.

في عامي الأول في الجامعة، كان إضراب يوم السادس من أبريل عام 2008، كان مجموعة من الشباب دعوا إلى إضراب عام في ذلك اليوم تمرداً على حكم حسني مبارك. صادف وقتها أنني كنت في وسط إمتحانات الميدتيرم بكلية الهندسة، فقلت لنفسي سأذهب إلى الكلية و إن وجدت عدد قوي من الطلاب مضرب فلن أحضر 

الإمتحان. و لكن للأسف حضر كل الطلاب. وتم الإمتحان في موعده، و كان هناك عدد من الزملاء الذين شاركوني نفس الخاطرة بدون أن نعرضها على بعضنا البعض

سمعت بعد ذلك، عن مدى عظمة اليوم في مدينة المحلة و عن مدى نجاح التجربة الثورية بتلك المدينة التي أعتبرها عاصمة ثورات الشرق الأوسط. و مرت التجربة  و نسيت. أو بمعنى أصح، حفظت في أرشيف الذكريات إلى أن يتم إستدعاءها في مستقبل قريب جداً 

.ترقبوا الجزأ الثاني قريبا

  @alexanderawi:لو عندك أي سؤال أو شتيمة أكاونت تويتر الخاص بي
 https://www.facebook.com/adel.samakia:أو ممكن تكلمني على فيس بوك

الكلام ده بيعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا يعبر عن وجهة نظر أي كيان أنتمي له


.عادل سماقية

الخميس، 1 أغسطس 2013

تسقط البلد اللي مش بتقدر إنسانيتي

أنا بعد ما صديق عمري ما سافر و ساب البلد الوسخة دي من كتر ما إتبهدل و إتمرمط و سف التراب فيها... في حاجة محشورة في زوري من أول إمبارح بليل.. من وقت ما شفته آخر مرة: أنا بقف كبييييييييييير أوي إني ضيعت كل الوقت ده.. و كل الفلوس دي.. و كل الصحة دي على شعب كلاب... طب والله الكلاب أنضف من الشعب ده... أنا الكلاب لو حبتني بتحبني بدون مقابل... الشعب المصري شعب رفضي... شعب رفض هدية العدالة و الحرية يبقى شعب يستاهل اللي يحصلوا. ضيعت سنين كتيــــــــــر بحاول أغير حاجة و معرفتش... أنا مش زعلان عشان معرفتش.. لأ.. أنا زعلان عشان الشعب ده رفض حتى يسمع الكلام اللي بقوله.. أنا أتضربت عشان بجري ورا الحق.

السنين اللي ضيعتها كان ممكن أعمل فيها حاجات كتير أوي! بس وقتها مكونتش ببص للأمور كده.. عارف كنت ببصلها إزاي؟ كنت ببص لأن أنا مش عايز لو خلفت إن ولادي يضطروا في يوم ميتحركوش من المعادي، مثلاً، زي حالتي كده بالظبط بقالي شهرين، عشان محدش يضايقني... عشان كان نفسي يعيشوا حياة أفضل مني.

من كام يوم إتعرفت على طفل، عمره لا يزيد عن 14 سنة. الطفل ده إسمه محمود.. و ده إسمه بجد مش إسم مستعار على فكرة. محمود ولد شيك، مهندم، شكله تربية طبقة متوسطة. زي أغلبنا. محمود الطفل اللي عنده 14 سنة ده بيشتغل على عربية فول في عرب المعادي. تروح حضرتك و صحابك تتسحروا و هو يخدم على جنابك. مش عايز أدخلك في نظريات طبقية و الكلام ده عشان أنا لا فايق أناقشها ولا أكتبها. محمود ده يا فندم بيشتغل بيطلع سنسافيل أجداده عشان ياخد كام ملطوش وش الفجر.

صديقي اللي حكيت عليه في الأول هو صديق عمري.. أقدم صاحب ليا في العالم.. إسمه محمد مغازي.. محمد مغازي ده محامي.. خريج كلية حقوق جامعة طنطا من كذا سنة كتير.. جرب يشتغل محامي.. و بقى معاه فلوس كويسة.. بس رفض يكمل في المهنة دي عشان لو كان عايز يعمل فلوس كان حيضطر يبقى وسخ! و هو مش وسخ ولا بيحب الوساخة.
محمد موسيقي.. أحسن جيتاريست لعبت معاه في حياتي.. و أنا لعبت مع جيتاريستات بعدد شعر راسي. عمري ما إرتحت في اللعب غير معاه. بنفهم بعض بالنظرة. و ياما غلسنا على بعض على الstage.
إضطر مغازي إنه يلعب في فرق أفراح في طنطا، بلده، و كان بياخد ملاليم.. و يشهد الزمن و خالق الزمن على حاله وقتها. جدير بالذكر إن محمد في الوقت ده كان متجوز و عنده طفل.
بعد المرمطة اللي شافها، قرر إنه ييجي القاهرة. إشتغل في أحد المواقع الإخبارية الرياضية. و كان بياخد ملاليم. و ربنا كرمه و مراته حملت و خلفت تاني.. بقى عنده طفلين.. و لسه بياخد ملاليم برضه.

لو حضرتك بصيت للمثلين دول، جتكتشف قد إيه إنت عايش في دولة فاشلة، لا تعرف إلا الفشل عنوان. و قد إيه حضرتك عايش مع شعب رفضي.. لا يعرف إلا الإنكار حياة. الثورة و حراك ما قبل الثورة مان هدفه الناس اللي رافضاك و شايفاك شاب أجندة و عيل ممول و إلى آخره من الكلام النجس اللي إتقال عليا أنا و زمايلي سنييييييين و سنين.

الطفل اللي عنده 14 سنة ده من أرجل الناس اللي شفتها في حياتي، معنديش مانع. بس ده مش دوره إنه يشقى كده. الله أعلم ظروف بيته إيه، بس أياً كانت ده حرام.. ده طفل و لازم يعيش طفولته.. و المضحك إنه لو طلع مجرم، الدولة حتقبض عليه و تقول لك بلطجي.

ده حتى المزيكا يا راجل.. ده إحنا لما بنلعب شوية مزيكا بيقولوا علينا بنعبد الشيطان. أحيـــــــــــــــه.

أحيه طالعة من قلبي... أقسم بالله العظيم أنا لا طايق أقعد في البلد دي، ولا طايق الشعب ده، ولا طايق أشوف حاجة ولا حد.

اللي عنده كلمة طيبة يقولها.. اللي حيقعد يزايد حيشوف ما لا يسره.

يسقط يسقط الشعب المصري الهمجي الرفضي

صديقي محمد مغازي.. أشكرك :)

الثلاثاء، 16 يوليو 2013

رسالة واجبة


عزيزى الاخوانجى ، أو مش اخوانجى بس بتحبهم أو مش مع مرسى بس مؤيد للشرعية .
احنا متفقين ان الدم كله حرام .. بس انت مش ملاحظ ردة فعل الناس التانية فيها برود ولا مبالاة ليه ؟
فاكر احداث محمد محمود ؟ فاكر لما الناس نزلت فى الشارع تطالب باسقاط حكم العسكر لتجاوزاته السياسية الفاشلة ؟ فاكر دم الناس 
اللى ماتت اللى كان مغرق الارصفة والشوارع ؟ فاكر عملت ايه ؟ قولت مفيش خرطوش .. وقولت ان الداخلية اتغيرت وبطلت تضرب خرطوش حتى برلمان العار بتاعكم قال وزير الداخلية بيؤكد ان مفيش خرطوش .. وهات يا تسقيف تحت القبة الوسخة اللى انت كنت تحتها ..
طيب فاكر لما مات مينا دانيال وعماد عفت ؟ فاكر اتقال ان اللى قتلوهم جوة الميدان وان المتظاهرين بيحاولوا يستميلوا عطف الناس وان احنا ( اللى بنموت ) بنفسد العرص الديموقراطى بتاع بديعه بتاعتكم .
فاكر لما جبتوا وزير الداخلية فى مجلس الشعب واحتفلتوا بيه والراجل داخلكم بخرطوش فى ايده واحده مضروبة والتانية لا .
بمناسبة اللى احنا فيه واكيد انت شايف كلمة هم ايه اللى وداهم هناك ؟ اقولك انا اصلها .. اصلها لما بنت جدعه شافت الظلم والاصابات والغاز والخرطوش كتير .. نزلت تمرض الناس .. اتضربت واتسحلت واتعرت من عسكرى مخه اتغسل من وساختكم الاعلامية ومن المجلس العسكرى معدوم الضمير وبمباركة الاوساخ اللى وصلوا لسدة الحكم فى وقتها واتقال الله هو ايه اللى وداها هناك ، وطلعت نعجة اخوانجية تقول الله هى مش ليها راجل يدافع عنها ، وطلع الديوث اللى اسمه خائض عبد الله يقول للراجل اللى زعلان لما شافها ياواد يا مؤمن ! وقالك اصلها كنت متمرمغة فى الارض واستفزت الجنود .. والله واحشتنى يا خائض ( يا واد يا وسخ )
فاكر علاء عبد الهادى وعماد عفت ومينا دانيال ماتوا ازاى وامتى ؟
فاكر الشاب اللى اسمه اسلام ومات بطلقة فى بطنه ؟
فاكر لما حاصرتم المحكمة الدستورية العليا وقعدتوا تهتفوا الشعب والشرطة ايه واحده الشعب والشرطة ايد واحده ..
فاكر لما كانوا اوسخ ممثلين ليكم بيقولوا ان خيام التحرير مليانه دعارة وان البنات بتروح هناك عشان يتم التحرش بيهم وان فيه حبوب منع الحمل ( وواقى ذكرى ) موجود داخل الخيام عشان يتم ممارسة العلاقات الجنسية كاملة .. اصلهم شباب وبنات ملهومش أهل .
فاكر التراامدول و ال200 جنيه وجبة الكنتاكى ودول شوية بلطجية مأجورين ..
فاكر ان الست عورة وصوتها عورة وايه اللى بينزلها فاكر الطعن فى نسائنا وفتياتنا كان عامل ازاى ..
إوعى تكون فاكر ان هقولك فى الأخر انى رغم كل ده هقف معاك .. تبقى بتحلم ساعتها .. انا بس زعلان على اللى بيموت منك وقياداتكم قاعدة تحت التكييف باللباس والفانلة وانت بيتضحى بيك كالخروف .
اشكرك على سعة صدرك .


هذه الرسالة منقولة من إحدى صفحات الفيس بوك التي أتابعها

لو عندك أي سؤال أو شتيمة اكاونت تويتر بتاعي: @alexanderawi
أو ابعتلي ايميل على: a_samakia@live.com
أو كلمني على فيسبوك بنفس الايميل.
الكلام ده بيعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا يعبر عن وجهة نظر أي كيان أنتمي له.

عادل سماقية.

الأربعاء، 3 يوليو 2013

فشل العياط

أكتب هذه السطور و مصر تغرق في مستنقع غريب لم أعهده من قبل. فقد عهدت سابقاً مستنقع أمن الدولة، البطالة، الفقر، الكوارث الإنسانية، و لكنني لم أعهد قبلاً أن يشتبك المصريون مع بعضهم البعض بهذه الصورة المزرية. الإخوان يقتلون الناس بدم بارد، و الإشتباكات عنيفة في العديد من المدن، عشرات الضحايا الجدد، و مئات المصابين.

ليس لدي الكثير لأقوله، بل في الواقع لا أعرف لماذا أكتب الآن. أكتب الآن منتظراً نهاية ال48 ساعة التي حددها الجيش، و لست متفائلاً. و أتسائل لماذا لم يحمي الجيش المواطنين في بسن السرايات و غيرها؟

ظهر العياط بالأمس بلا جديد ليضيفه في خطاب طويـــــــــــــــــــــل جداً. الملايين تحتشد أمام القصور الجمهورية و عشرات الميادين في مصر ينتظرون قرارات الجيش، و التى سأستقبلها بقلق نظراً لخبرتنا السيئة مع الجيش. صلوا للثورة المصرية.

لو عندك أي سؤال أو شتيمة اكاونت تويتر بتاعي: @alexanderawi
أو ابعتلي ايميل على: a_samakia@live.com
أو كلمني على فيسبوك بنفس الايميل.
الكلام ده بيعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا يعبر عن وجهة نظر أي كيان أنتمي له.

عادل سماقية.

السبت، 29 يونيو 2013

عشية الثورة

اليوم هو يونيو 29، 2013. الدعوات بالمئات للنزول و الخروج على الحاكم الظالم مرسي العياط. جرت بالأمس إشتباكات دامية بين أعضاء الإخوان المسلمين و المعارضة في عدد من المحافظات و المدن خلفت العديد من الضحايا و الالعشرات من المصابين. و قد وضحت نية أعضاء التنظيم السري المتطرف  في الدفاع بعنف عن رئيس جمهوريتهم الفاقد شرعيته منذ أكثر من ستة أشهر.

الوضع الآن ملتهب بشدة في القاهرة. فقد قام عشرات الآلاف من مؤيدي مرسي العياط  بالتظاهر في ميدان رابعة العدوية بحي مدينة نصر، شرق القاهرة، و قرروا الإعتصام "حفاظاً على الشرعية" و هو ما لم يفهمه أي منا في الحقيقة. و قد صرح أعضاء التنظيم السري المتطرف و حلفاؤهم  إنهم سيقومون بقتل من يحاول إسقاط الشرعية العياط في جمعة أسموها "نبذ العنف" و "الشرعية  خط أحمر".

على الجانب الآخر، تظاهر عشرات الآلاف في محيط القطر المصري مطالبين بإسقاط مرسي العياط في أغلب المحافظات و قام المتظاهرون بإحراق مقرات حزب الحرية و العدالة ز مقرات التنظيم السري المتطرف المدعوّ الإخوان المسلمين. مطالبين الرئيس بالتنازل عن منصبه للقوات المسلحة، في كثير من الأحيان، و، في أحيان خرى، إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة. حيث أن الإتجاه العام في لوقت الحالي غير واضح من قبل المتظاهرين المعارضين لسلطة مرشد التنظيم السري المتطرف.

جدير بالذكر أنه قد تم القبض، عن طريق لجان شعبية و كمائن شرطية، على العديد من السيارات المتوجهة للقاهرة مدججة بأشكال و ألوان الأسلحة. و قد قام النائب العام بالإفراج عن 56 متهم بالرغم من ضبطهم بالأسلحة.

على صعيد آخر، وجه عدد من النشطاء المستقلين دعوة للتظاهر من محطة مترو سراي القبة إلى قصر الإتحادية المشؤوم، ضد الحزب الوطني و العسكر و الإخوان على أن تكون المسيرة سلمية تماماً و متجنبة لأي من أشكال العنف.

الوضع الآن مشتعل، فالضحايا من جانب الإخوان و حلفاءهم كثر، و الضحايا من جانب الثوار كثر أيضاً. صور الأسلحة منتشرة في كل مكان و مع الكثير من الناس. و قد ينفرط الوضع في ثوان قليلة نتيجة تصرف واحد أحمق من أحد ما. مناظر القتل لم تسرني بأي شكل، و قيادة نجل كمال الشاذلي للتظاهرات بالشرقية، و الفلول في محافظات أخرى لم تسعدني. على الثوار السيطرة على الوضع، و إحكام إغلاق الأفواه المطالبة بعودة النظام الفاشل السابق.

إلى الأمام يا ثوار، إقترب الإنتصار.


ملحوظة: هذه المقالة بغرض التوثيق ليس إلا. و لم تكتب بشكل صحفي محترف. 

لو عندك أي سؤال أو شتيمة اكاونت تويتر بتاعي: @alexanderawi

أو ابعتلي ايميل على: a_samakia@live.com

أو كلمني على فيسبوك بنفس الايميل.

الكلام ده بيعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا يعبر عن وجهة نظر أي كيان أنتمي له.

عادل سماقية.



الجمعة، 28 يونيو 2013

الدولة و الثورة

لقد سمحت لنفسي أن أستعير إسم أحد كلاسيكيات الأدب الثوري للمناضل العظيم فلاديمير إلينش لينين كإسم لمقالاتي. إننا نعيش الآن في مصر على أعتاب لحظات تاريخية. ولا يمكن لأحد التكهن بما سيحدث إبتدائاً من يوم 30 يونيو. الحكومة متخبطة، الإقتصاد في أسوأ حالاته منذ أعوام، البطالة في تزايد و السلطة عاجزة، الكهرباء تنقطع بإستمرار، الماء ينقطع بإستمرار، تمثيل دولي غير مشرف لرئيس جاهل سياسياً، أسعار السلع في تضاعف مستمر، مستوى معيشة متدني، مناوشات مستمرة و إشتباكات عديدة بين أعضاء التنظيم السري الحاكم و المتظاهرين.


و مما يزيد الوضع سخونة، إنقلاب في دولة تركيا، و التي قتلها النظام نقاشاً في كيف إنها نموذج للدولة الإسلامية و كيف أنها نموذج لل"حكم الرشيد" و إنتفاضة أخرى في البرازيل و كلاهما إنتفاض ضد السياسات النيو ليبرالية التي ذهبت بالعالم إلى جحيم الرأسمالية و ألقت بالفقراء تحت أقدام المستثمرين و رجال المال و الأعمال.




تظاهرات البرازيل (يونيو 2013).

علينا أن نتوقف الآن أمام عدة مشاهد هي الفاصلة في تلك اللحظة الثورية العظيمة. أولاً إعلان وزارة الداخلية في مصر أن المتظاهرين السلميين في حمايتها و أن أي تعدي عليها من قبل أي تنظيم ستكون عواقبه وخيمة و كان ذلك على لسان وزيرها. و علينا أن نسأل أنفسنا الآن، لما تلك الخطوة الآن؟ هل أدركت وزارة الداخلية فجأة عهرها طوال عقود مضت ضد أبناء الشعب من المحتجين؟ أم أن الوزارة ضد أن يكون الكيان الإخواني حاكم؟ أم أن الوزارة رأت أن كفة النظام غير راجحة فقررت أن تستعطف الثوار لكي تتفادى شر إنتقامهم في المستقبل، و بعد إنتصارهم؟ لا أدري، رفيقي، فيم تفكر، و لكني رجح الخيار الأخير. فقد تعلمت وزارة الداخلية درساً قاسياً طوال عامين و نصف عام، أن إرادة الجماهير مستحيل إثناءها أو الإتيان عليها. لذا قررت أن تأخذ الجانب الأقوى هذه المرة. فلا مبدأ لديهم سوى الإنحناء للقوي. أياً كان إسمه.

عنف الداخلية ضد المتظاهرين –  كوبري قصر النيل، القاهرة (28 يناير 2011).

المشهد الثاني هو خطاب السيسي الذي قال فيه "كيف يعيش الضباط و الصف و هم يعلمون أن المصري يعيش في خطر؟ الموت علينا أهون." عندما سمعت تلك الجملة، حملت نفسي كل البذائات و الشتائم لما أسمعه. أعتمد السيسي على أن تكون الناس قد نسيت، أو تناست، أحداث ماسبيرو و مجلس الوزراء و الثامن من أبريل. أيام كان المتحدث نفسه عضواً في المجلس العسكري القائم بأعمال رئيس الجمهورية و ساهم في، أو لم يعترض على، إتخاذ القرارات التي كان مش شأنها قتل المئات من المصريين و إصاية الآلاف.


                                                                أحداث القصر العيني و مجلس الوزراء (ديسمبر 2011)

أما المشهد الثالث، هو، و كالعادة، إختفاء الوقود. ما أن تستشعر السلطة بإقتراب حركة إحتجاجية قوية إلا و تصبح صباحاً فلا تجد وقوداً في محطات الوقود. و م أن تهدأ تلك الحركة إلا و يعود الوقود كما كان بلا أي تفسيرات أو مبررات. فأنا، و بكل صدق، لا أصدق تبريرات السلطة الواهية أنه لا وجود للوقود في الأسواق المصرية لسبب بسيط وهو كيفية إدارة شركات البترول في مصر. صديقي، دعني أخبرك نبذة عنها. شركات الحفر المملوكة للدولة أمثال قارون و بدر الدين و غيرها يجب أن تدخل في شراكة مع شركة أجنبية كشركة أباتشي على سبيل المثال. ولا أعلم ماهية الوجوب تلك على الشركات المصرية أن تدخل في شراكات مع شركات أجنبية. و يكون أجر تلك الشركة الأجنبية هي على الأقل 50% من الإنتاج، بحسب العقد المبرم مع الجانب المصري المتمثل في الهيئة لعامة للبترول.
هل أحتاج أن أوضح أن أغلب تلك الشركات أمريكية و أوروبية؟

و إذا سألت أي من أعضاء أو مؤيدي أو "مبرراتية" الإخوان، ستجد الإجابة الكلاسيكية التي يجيبون بها على جميع المعارضين: "إنها تركة نظام فاسد عانينا منه 30 سنة!" صدق أو لا تصدق، أنا أتفق معهم في ذلك، فعلاً إن ما نعاني منه الآن هو تركة نظام إستبدادي عمره ستون و ليس ثلاثون، عاماً. إرتكب حماقات إقتصادية و سياسية عدة أدت لما نحن فيه من هبل إجتماعي و إقتصادي!


و لكن التدابير الوقائية و الإرتجاعية من تلك الأزمة ليست بصعوبة مادة الفيزياء في كلية الهندسة قسم القوى الكهربائية. فما الإعجاز أن تطرد الشركات المستحوذة على نصف إنتاجنا للبترول، مع العلم أنهم أخذوا حقهم تالت متلّت من البترول المصري. و نحقق بذلك ضعف إنتاج البترول. علماً بأن 90% من العاملين بالشركات الأجنبية تلك من المصريين و يديرونها بكفاءة و يحققون لها الأرباح.. إلخ؟ أضف إلى ذلك تصريح الوزارة بأن المشكلة أن 10 سيارات يملؤون التانك لآخره و مع ذلك يقفون في الطوابير لزيادة الأزمة. 10 سيارات تتسبب في كارثة تموينية في 27 محافظة! يا للخزي و يا للشؤم. و كانت مبرراتهم في ذلك، طبعاً، إفشال المشروع الإسلامي.


إن جمعت كل تلك المشاهد ستستشف كيف تتعامل الدولة مع الموجة الثورية الجديدة. من الواضح أن السلطة تكاد تموت خوفاً من الجماهير الغاضبة التي إستوعدت النظام بإنتهاء صلاحيته. فالشرطة التي إعتادت الجور على المواطنين تستعطف المتظاهرين. و الجيش الذي لم يكن في يوم يهتم غير بتأمين النظام و أصدقاءه من الأغنياء الآن يتغنى بالشيفونية و الوطنية.

و بالرغم من كل ذلك، علينا في تلك اللحظة أن نحدد إتجاهنا بشكل فوري، لما نريد الوصول إليه، لأنني أتوقع في يوم 30 يونيو هتاف البعض "الجيش و الشعب إيد واحدة" و رفع البعض الآخر صور مبارك و شفيق.  و بالتالي مصادمات مع الثوار تؤدي إلى إفساد اليوم و تعكير الصفو. يجب أن تكون مطالبنا واضحة في إنشاء حكومة إنتقالية فورية و قبل إنهزام الإخوان تعمل على تفعيل المحاكمات الثورية لأعضاء النظامين السابق و الحالي و إرجاع الأموال المنهوبة من النظام السابق و إحلال التمكين و الإخونة من النظام الحالي. و العمل على إجراء إنتخابات لتأسيسية الدستور مع الحرص على تفعيل مبدأ العزل السياسي لأعضاء النظامين الحالي و السابق وعلى أن تكون كل الفئات ممثلة إجباراً (عمال، طلاب، مهندسين، فلاحين، أطباء، ممرضين، معاقين ذهنياً و بدنياً، إعلاميين، محاسبين، إلخ). ثم إستفتاء الشعب على الدستور ثم إجراء إنتخابات برلمانية و تشكيل الحكومة من أغلبية البرلمان، مع الحفاظ على العزل السياسي، و إجراء إنتخابات رئاسية بعدها. و بذلك نكون حققنا ما نطمح له من ديمقراطية تسبق الإتجاه الإجتماعي للثورة.
إقترب الإنتصار يا رفاق! تشبثوا به.

لو عندك أي سؤال أو شتيمة اكاونت تويتر بتاعي: @alexanderawi

أو ابعتلي ايميل على: a_samakia@live.com

أو كلمني على فيسبوك بنفس الايميل.

الكلام ده بيعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا يعبر عن وجهة نظر أي كيان أنتمي له.

عادل سماقية.