الأحد، 25 يناير 2015

القضية الفلسطينية و الإستعمار و الإمبريالية



حين نتحدث عن القضية الفلسطينية لا يسعنا أن نغفل الحديث عن و تفنيد و شرح الإمبريالية  ولا يجوز أن نغفل آليات الإمبريالية و كيف تعمل. مصالحها و مضادتها، نتائجها و أسبابها.

الإمبريالية بشكل موجز و بسيط هي إستخدام القوة لتفرض دولة قوية سيطرتها على دولة، أو دول، أفقر، أضعف، أو كلاهما  معاً. و عبر التاريخ الطويل للممارسات الإمبريالية، كانت تتم تلك السيطرة عن طريق القوة العسكرية المباشرة. أو بلغة أبسط، عن طريق الإستعمار. فقد رأينا مئات النماذج في التاريخ تستخدم الإمبريالية الكلاسيكية العسكرية للسيطرة على الدول و المجتمعات. مثل المصريين القدماء، و الحضارات الفارسية، و الإمبراطورية الإنجليزية التي لم تغب عنها الشمس و المملكة الفرنسية و الهولندية و غيرهم.

و إستمرت الممارسة الإمبريالية التقليدية من الدول الغنية المسيطرة عسكرياً إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية التي إنتهت في عام 1945. إلي أن لاحظوا أن كلفة الممارسة الإمبريالية الكلاسيكية جداً مرتفعة. حيث تُزهق العديد من الأرواح و تُكلف المليارات. فلجأت الدول الإمبريالية لتطوير آلية جديدة للإمبريالية تعتمد بالأساس على السيطرة الفكرية و الإقتصادية على الدول الفقيرة. و هو ما يضمن إحتياج الدول الفقيرة للغنية بإستمرار و ضمان السيطرة السياسية و الإقتصادية في المنطقة أو الدولة المراد السيطرة عليها.

و لذا، فلا عجب أن تظهر في الستين عاماً المنقضية -ما بعد الحرب العالمية الثانية- نظريات مثل الماك وورلد إيفيكت أو الكوك وورلد و التي تقترح -و هو مائة بالمائة صحيح من وجهة نظري- أن شباب العالم اليوم يبدون و يتصرفون و يتحدثون كما الشباب الأمريكي، يلبسون الجينز كما الشباب الأمريكي، يتحدثون الإنجليزية بلهجتها الأمريكية.. إلخ. و من السذاجة أن نفترض أن تلك النظرية و تطبيقها العملي هي محض الصدفة، بل هي أحد تطبيقات الإمبريالية الحديثة مستوفية كل شروطها؛ فالعالم يحتاج إلى المنتجات الأمريكية طوال الوقت (الأيفون، الماكينتوش، أجهزة مايكروسوفت، أجهزة جوجل (آندرويد)، رقائق البطاطس المقلية، إلخ..)، و أصبح التعليم المتحضر المحترم في كل أنحاء العالم في مدارس و جامعات أمريكية، و أفضل أفلام العالم هي من إنتاجات هوليوود الأمريكية. فأمريكا الآن تسيطر على العالم ثقافياً و إقتصادياً.

وصف ماركس الإمبريالية أنها أعلى مراحل تطور و نمو الرأسمالية، لهذا التطور طابعين أساسيين:
1.       مركزة رأس المال في شركات ضخمة إحتكارية قليلة
2.       عولمة و تدويل رأس المال من خلال التسويق الدولي (ففي مصر مثلاً أنت قادر على شراء منتجات لشركة البفارية لتصنيع السيارات BMW)


و ينتج عن هذا النمو نوعين من النزاع. أولهما هو نزاع بين الدول الإمبريالية على مناطق النفوذ و الإستثمار و ثانيهما حروب بين المقاومة و لإمبريالية في المناطق المُسيطر عليها.

 و إذا ربطنا النظرية المعروضة سلفاً بالواقع في الشرق الأوسط، نجد أن دولة إسرائيل الصهيونية هي الراعي الرسمي للإمبريالية في المنطقة فإذا بحثنا في التالريخ، نجد أن قيام دولة إسرائيل أصلاً جاء خلال إحتلال المملكة البريطانية للأراضي الفلسطينية. و بما أن الملك "يملك" الأرض التي يحكمها، فقد قرر أن يمنح تلك الأرض للحركة الصهيونية؛ و المراد قوله هنا أن دولة إسرائيل ولدت أصلاً بشكل إمبريالي.

و إن كنا قد ذكرنا سلفاً أن الدول الإمبريالية الإستعمارية قد غيرت تكتيكاتها و أساليبها و إتجهت إلى السيطرة الإقتصادية و السياسية عن طريق التسويق و تنصيب حكومات و أنظمة عميلة، فإن الإمبريالية تحتاج في بعض الأحيان إلى إستخدام قوتها الكلاسيكية العسكرية، بالذات في المناطق غير المستقرة. و الدليل على ذلك هو أن دولة إسرائيلترعى مصالح الإستثمار و الرأسمالية في المنطقة. و ليس ذلك فحسب، بل أن جريدة هآرتس الصهيونية كانت قد ذكرت  في إحدى مقالاتها أنه ليس هناك مشكلة أن تتولى إسرائيل القوية -على حد تعبيرها- تأديب الدول العربية و حركاتها القومية كل حين و آخر حين تظهر إعتراضاً على قرارات و رغبات الغرب. و في المقابل، على الغرب أن يتغاضى غن مطامع و مطامح إسرائيل و عدوانها على جيرانها لمختلف الأسباب.

و هنا يجب أن نسأل أنفسنا: "ما هي مطامع إسرائيل؟"
للإجابة على هذا السؤال علينا، أولاً، أن نجيب على سؤال أهم، "ما هي الصهيونية؟ و ما إرتباطها باليهودية؟" .
الفكر الصهيوني و مبدعوه و على رأسهم ثيودور هرتزل كانوا في الأصل لم يكونوا رجال دين إطلاقاً. بل كان أغلبهم علمانيين و عمل أكثرهم بالسياسة. و قد نشأت الفكرة في أوساط البرجوزيات الصغيرة التي كانت تخشى من الثورة و تخشى فقدان مكانتها الإجتماعية و الطبقية بسببها.
ثانياً، أن نبحث عن قيام دولة إسرائيل، قيمها، و أهدافها و إرتباطها باليهودية و اليهود. فقط أنصار الصهيونية قبل عام 1948 كانوا يظنون أن بإمكانهم و من حقهم إنشاء دولة في الشام و كانوا يهاجرون إليه و يسكنون فيه، و هم نسبة قليلة و ضئيلة من أعداد اليهود في أوروبا بالخصوص و العالم عموماً. أما الغالبية العظمى من اليهود، و الذين كانوا ينتمون مجتمعياً إلى الطبقة العاملة، ظنوا أن خلاصهم من الإضطهاد الواقع عليهم هو بإنتصار الثورة الإشتراكية العالمية. و لكن بسبب صعود الفاشية النازية للحكم، و حرق اليهود في أوروبا في ثلاثينات القرن العشرين أُطلقت الرجعية في أوساط اليهود و إعتبروا أن دولة إسرائيل هي طوق النجاة لهم و لعوائلهم.
في مايو عام 1948، حينما كان أغلب الشرق الأوسط مستعمراً من قبل المملكة البريطانية – التي نعتت بأنها المملكة التي لا تغيب عنها الشمس–  و بعد نصف قرن من المناورات و المؤتمرات التي قامت بها الحركة الصهيونية في أوروبا
نتاج التراكمات التاريخية تلك، أدى إلى نشأة دولة إسرائيل بشكلها الحالي. و هنا نسأل أنفسنا سؤالاً آخر. هل دولة إسرائيل هي واحة للديمقراطية، كما يصور لها، و هل فعلاً الأرض الفلسطينية هي "الأرض الموعودة" التي ذكرت في التوراة؟
مما هو ثابت في معتقدات اليهود، أن موسى، عليه السلام، قد وقف بعد هروبه من مصر فوق جبل نبو الذي يقع خارج مدينة مأدبا في دولة الأردن، و أشار إلى الأراض التي تعرف الآن بفلسطين و قال أن هذه هي أرض اليهود الموعودة و مات فوق ذات الجبل. و أقامت دولة الأردن مقاماً هناك و أسمته مقام سيدنا موسى. و لكن، جرى العديد من الإستكشافات لم تثبت أي منها وجود جثة موسى بذلك الجبل.
ثانياً، دولة إسرائيل هي نتاج مباشر و تجسيد قبيح للصهيونية، فهي قامت على مذابح نفذتها عصابات مسلحة و ممارسة ممنهجة للتطهير العرقي بحق الفلسطينيين مثل مذبحة دير ياسين. كما أن وجود دولة إسرائيل و نشأتها كما هو مذكور سابقاً هو تجسيد لتحالف صريح بين الإمبريالية و قواها، و هو أيضاً حتمي لكي تحرس إسرائيل مصالح الإمبريالية في المنطقة. (مذبحة دير ياسين:

فكيف لنا أن نعتبر أن دولة قامت على مذابح نفذتها عصابات في التاريخ الحديث (أقل من 70 عام) واحة للديمقراطية و الحرية؟ الإجابة المنطقية هي أن ما يقال بخصوص "ديمقراطية" إسرائيل هو محض الهراء. كما أنه في يوليو 2011، عام الربيع العربي، قامت مظاهرات في إسرائيل و تم قمعها أشد قمع من قبل شرطة الإحتلال بالغز المسيل للدموع و الرصاص المطاطي. فأي ديمقراطية تلك التي يتحدثون عنها؟!

و هنا يجب أن نربط ربطاً مباشراً بين إسرائيل كدولة في الشرق الأوسط و بين مصالح الدولة الإمبريالية في العالم. جاء إعلان إنشاء دولة إسرائيل في مايو 1948 نتاجاً لمجهودات بذلها أنصار الصهيونية في العالم منذ بدايات القرن العشرين، و لم يكن أنصار الحركة الصهيونية هم فقط أعضاء الحركة الصهيونية، بل كانت تدعم تلك الحركة دول إستعمارية كبرى مثل المملكة البريطانية و الولايات المتحدة الأمريكية. و حين  نسأل عن السبب فالإجابة واضحة؛ بعد إكتشاف النفط في الشرق الأوسط إحتاجت الدول الإمبريالية لكلب حراسة في المنطقة يسهر على حماية مصالحها و إهتمامتها في المنطقة. و لمَ؟ حين ننظر إلى معدلات تدفق البترول منذ مقولة ريجان في السبعينات (رئيس الولايات المتحدة السابق) بعد وقف تصدير البترول خلال حرب 1973  (حيث قال "إن تدفق البترول من الشرق الأوسط لأمريكا هي مسألة أمن قومي".) إلى الآن يجد أنها في إرتفاع مستمر و ذلك لإن أغلب الطاقة الكهربائية في أمريكا تعتمد على البترول بالإضافة إلى التجارة التي تعتمد على البترول إعتماداً أساسياً و حتمياً. و لكل هذه الأسباب بالإضافة إلى أن إسرائيل طالما كانت تمثل كل الرجعيات الدينية و السياسية؛ دولة إسرائيل لا تزال دولة ثيوقراطية إلى الآن و قد دعمت كل الأنظمة خلال الثورات العربية فقد دعمت بن علي قبل و بعد خلعه من خلال رفاقنا الثوريين و وصفت خلع مبارك بأنها قد خسرت حليفاً مهماً كما دعمت عبد الفتاح السيسي قبل و حال وصوله للسلطة، و لكل تلك الأسباب، تحصل إسرائيل على دعم من أمريكا مادي و عيني و عسكري و تكنولوجي لا تحصل عليه أي دولة أخرى في تجسيد صريح من أمريكا لدعم الإمبريالية.

أما عن نظرية كلب الحراسة التي ذكرت أعلاه، فإسرائيل لا تخجل من هذا الوصف مطلقاً؛ فقد كتبت جريدة هآارتس الإسرائلية مقالاً قالت فيه أن إسرائيل مستعدة تماماً لتوجيه "ضربات تأديبية" للعرب حال تمردهم على الدول الكبرى و هي مستعدة تماماً لتأدية دور كلب الحراسة لتلك الدول على أن تحصل إسرائيل على أكبر دعم ممكن من الولايات المتحدة. و قد كان لهم ما أرادوا.
لم تكن الولايات لمتحدة هي الداعم الأكبر لإسرائيل، بل تناوبت القوى الإمبريالية على تقديم الدعم لإسرائيل و كان لكل داعم مكافأة من نوعٍ ما. فبين عامي 1948 و 1960 كانت فرنسا هي الممول الرئيسي و الحليف الأول لإسرائيل من خلال تقديمها للمساعدات المالية و الأسلحة و كان رد الجميل من جانب إسرائيل سخياً، حيث ساعدت إسرائيل فرنسا عسكرياً في مستعمراتها بالجزائر و فيتنام. و في الخمسينات، لم تكن أمريكا مقتنعةً إقتناعاً  كاملاً بقوة إسرائيل حيث لم تستطع الأخيرة وقف المد القومي الذي أسقط العديد من الأنظمة الإقطاعية بالشرق الأوسط. و لكن مع إشتداد شوكة القوميين في المنطقة العربية، نظرت أمريكا للدولة الصهيونية نظرةً مختلفة و قررت دعم إسرائيل في مواجهة القومية العربية حيث أنها القوة الوحيدة الداعمة للعرب في الشرق الأوسط.
إننا، كماركسيين ثوريين، لا نناضل فقط من أجل قيام دولة فلسطينية. بل إننا نناضل من أجل تحطيم و كسر الدولة الصهيونية بشكل شامل و نهائي، و من ثم إقامة مجتمع متساويّ عناصره الكادحة المسلم و المسيحي و اليهودي و تحررهم من كافة أشكال القهر و الإستغلال و العنصرية في مواجهة الإمبريالية و الصهيونية. و لكن، ذلك لا يحدث بسهولة؛ حيث أن الأنظمة العميلة لإسرائيل في المنطقة لعربية تسهر على حمايتها، و الطبقات الغنية في الأقطار العربية تتاجر جهاراً نهاراً مع الكيان الصهيوني. لذا كما نقول نحن، الإشتراكيون الثوريون، تحرير القدس يبدأ بتحرير القاهرة. ولهذا، يقف الإشتراكيون الثوريون في وجه كل المحاولات التي تريد تحويل الصراع مع الصهيونية إلى صراع عنصري ضد الديانة اليهودية. و بنظرة نجد أن من يريدون تقويد الصراع إلى هذا الإتجاه هم دعاة الرجعية في المنطقة و أنصارهم. و مما ذكر، نستشف أن العدو الحقيقي للشعب الفلسطيني هما الدولة الصهيونية و الإمبريالية العالمية بسبب مصالحهم المشتركة في المنطقة بالإضافة لطبقات حاكمة تهدف إلى تشتيت الجهود إلى قضايا فرعية عنصرية تافهة.

هناك تعليق واحد:

  1. برافو يا عدووول.. اسلوبك في العرض هايل وشيق ومرتب... أحمد عبد المطلب

    ردحذف